Le Tunisien Libre

Le Tunisien Libre

محضر تحقيق خيالي في واقعة حقيقية

في ساعة تاريخه، وبمعرفتنا نحن وكيل نيابة الخيال الذي هو أعظم تجسيد للواقع، وفي مقر النيابة الكائن بصفحة الرأي في جريدة «الشرق الأوسط»، تم استدعاء المتهم الذي حضر بغير محام، ربما لثقته في موقفه القانوني أو لبخله الشديد، وأطلعناه على الاتهام الموجه إليه، وهو ممارسة فعل فاضح في الطريق العام. وسألناه على النحو التالي:

س: لا ضرورة لإثبات اسمك وعملك وعنوانك بعد أن تولت الصحافة وكل أجهزة الإعلام في مشارق الأرض ومغاربها إعلان ذلك.. ما هو قولك فيما هو منسوب إليك من أنك ارتكبت فعلا فاضحا في الطريق العام مع أنثى داخل سيارتك متسترا بالظلام.

ج: لم يحدث.. لم يكن الطريق العام بل الطريق الزراعي وهذا يسقط التهمة الموجهة إلي من أساسها، كما أريد تنبيه سيادتكم إلى أحكام قضائية عديدة اعتبرت أن للسيارة حرمة المسكن الخاص، وهو ما كان يستلزم استصدار قرار من النيابة بالهجوم على سيارتي، الفتاة التي كانت معي هي ابنة أختي، وكانت في حالة انهيار وإعياء بسبب الظروف السيئة التي تمر بها البلاد، كانت منهارة تبكي بشدة وتصيح.. حانعمل إيه يا ربي في الاقتصاد؟ متى يا ربي تنصلح أحوال السياحة؟ أما حكاية أنها خلعت النقاب كما يدعي محضر الشرطة، فهذا حدث فعلا لكي أتمكن من أن أرش ماء على وجهها لإنعاشها.

س: تقول أجهزة الأمن إنها لا تمت إليك بصلة قرابة، وأنت تقول إنها أختك، هل تقصد أنها أختك في الرضاعة؟

ج: لأ.. أنا دقيق في كلماتي ولا أكذب، هي ليست أختي في الرضاعة ولا هي أختي بيولوجيا، بل هي أختي في الدين، وحتى لو كانت مسيحية فهي أختي في الوطن، أضف إلى ذلك أن كلمة أختي وأخويا في مصر نصف بها أحباءنا والقريبين منا، وفي التراث الفرعوني القديم تقول أغنية.. سأذهب لأختي حبيبتي وأعطيها وردة.. وفي الأغنية المعاصرة تقول فايزة أحمد رحمها الله.. يا غالي علي يا حبيبي يا خويا.. يا أغلى عندي من أمي وأبويا.. يا حبيبي يا خويا.. فهل كانت تغني لأخيها أم لحبيبها؟

س: قوة الشرطة التي هاجمت السيارة أفادت بأنكما كنتما في حالة مخلة بالآداب.. ما هو قولك في ذلك؟

ج: هم ليسوا مؤهلين لفهم الآداب والإخلال بها، لنفرض جدلا بأنني كنت أقبلها..

س: (مقاطعا).. هل تعترف بأنك كنت تقبلها؟

ج: جدلا.. جدلا.. قلت لنفرض جدلا.. أليس معنى ذلك أنهم كارهون للحب وينتمون لثقافة الكراهية التي تمزق بلادنا الآن تمزيقا؟ هل كانوا يفضلون أن يروا رجلا يقتل امرأة ليسرق سيارتها؟ لنفرض جدلا أننا كنا في حالة حب..

س: حالة حب يا رجل داخل سيارة في مكان مظلم؟ أنت واعظ وإمام مسجد وحاصل على الدكتوراه وحاصل على زوجتين وتنقصك حالة حب؟

ج: كل زوجات الدنيا عاجزات عن أن يكن بديلا عن حالة حب واحدة..

س: ترى من في السلف الصالح هو قائل هذه العبارة؟

ج: قالها صديق لي لن أذكر اسمه حرصا على حياته الأسرية.. وعلى سمعة زوجاته الأربع وحبيباته الخمس وأولاده العشرين الذين يحتلون أماكن مرموقة في المجتمع.. يا سيدي وكيل النائب العام، أنت لا تحقق في قضية آداب، أنت تواجه الآن قضية أمن قومي.. مصر مستهدفة، من الذي أبلغ الشرطة بمكان وجودنا في ذلك المكان المظلم الذي لا يرتاده أحد ولا يمر به أحد.. من في المنطقة يمتلك أجهزة رؤية ليلية مركبة في أقمار التجسس الاصطناعية؟ من يهمه تمزيق مصر وتفتيتها؟ أليست أميركا وإسرائيل؟ أليست المؤامرة واضحة لك؟ لماذا يحدث ذلك الآن وقبل الانتخابات الرئاسية بأيام؟ لقد وقفت من قبل في هذا المكان بسيارتي أكثر من مائة مرة في مائة ليلة مظلمة، فلماذا تقوم علي الدنيا ولا تقعد هذه المرة؟

س: أفهم من ذلك أنك تريد أن تقول إن واقعة ضبطك بفعل فاضح داخل سيارة في مكان مظلم ليست أكثر من مؤامرة ضد حزبك (ملحوظة: المتهم عضو في حزب الأصالة وليس النور كما يشاع، وقد تأكد لنا أن هذا الحزب ليس له صلة بالمطربة أصالة، هو مجرد تشابه في الأسماء، انتهت الملحوظة) أي خطر تمثله أنت أو حزبك على الإمبريالية والصهيونية العالمية؟

ج: المشكلة أن سيادتك لا تريد إعطائي فرصة لشرح وجهة نظري، ليل نهار نحن نتكلم على المجتمعات الأوروبية الناجحة والمنتجة، غير أننا لم نضع أيدينا حتى الآن على سر نجاحها، إنه الحب المعلن، الناس تقبل بعضها البعض علنا في كل مكان ولا تتهم بالفعل الفاضح، لا بد أنك سافرت إلى بلد أوروبي أو إلى أميركا، أو لعلك شاهدت أفلامهم، أن يقبل شخص صديقته أو زوجته في الشارع أمر لا يستلفت نظر أحد، إذا كنا جادين في الوصول إلى الديمقراطية وإصلاح أحوالنا الاقتصادية فعلينا أن نسمح بذلك ولنبدأ بتطهير القوانين التابعة للنظام البائد لكي تتمكن الناس من تبادل القبلات في العلن بغير أن تقبض عليها الشرطة.

س: هل هذا اعتراف منك بأنك قبلت الفتاة التي كانت معك في السيارة لأنك عجزت عن تقبيلها في العلن نظرا لطبيعة القوانين المتخلفة في بلادنا التي تمنعنا من التقدم؟

ج: لم أقل ذلك، لقد اعترفت بأن الفتاة كانت في حالة انهيار وكنت أحاول إفاقتها.

س: يا عزيزي المتهم.. راجع معي الحكاية من أولها.. في القرية وفي أي مكان على الأرض تحدث للفتيات الشابات مشاكل يعجزن عن حلها ويطلبن النصح بشأنها، يطلبن نصائح الأهل والأصدقاء، وفي العصر الحديث ظهر الدعاة حلالو المشاكل في الفضائيات على الشاشات الصغيرة، هكذا ظهرت جماعة متخصصة تلعب نفس دور الطبيب النفسي في الغرب.. الفتاة هنا ترى أن رجل الدين سيشير عليها بحل ينقذها مما هي فيه، لقد لجأت لك تلك الفتاة لحل مشكلة لها أو لصديقة لها.. هنا تبدأ الكذبة التي لا يعرفها الناس في الغرب، وهي ادعاء الحب.. ولقلة خبرة الفتاة أو انعدامها تصدق أنك في طريقك إلى الزواج منها، وخاصة وهي على يقين أن رجال الدين لا يكذبون.. إنها أسطوانة قديمة، مسجل عليها أغنية واحدة، ليتني التقيت بك قبل أن أعرف زوجتي، ما رأيك في أن نلتقي الليلة ونذهب إلى مكان ما؟ بالتأكيد الفتاة استمعت لهذه الأسطوانة والدليل هو أنها قالت في مكان الواقعة وبصوت واضح نقلته الفضائيات.. إحنا مخطوبين وحانتجوز.. ولكنك أفسدت ذلك في المحضر عندما زعمت أنها ابنة أختك.. المشكلة الحقيقية بل التهمة الحقيقية هي أن حضرتك خدعت هذه الفتاة وأفهمتها أنك تحبها وأنك تفكر في الزواج بها.. ثم زينت لها أن تقوم معك بهذه المغامرة التي ستدفع هي ثمنها إلى الأبد.. الناس تتقدم هناك يا سيدي المتهم ليس لأنهم يقبلون بعضهم البعض علنا أو في الأماكن المظلمة، بل لأنهم لا يخدعون بعضهم البعض.. هل لديك أقوال أخرى؟

ج: لأ..

تمت أقواله وأمضى وتم الإفراج عنه لأنه راجل، وحبس الفتاة أربعة أيام على ذمة القضية.



23/06/2012
0 Poster un commentaire
Ces blogs de Politique & Société pourraient vous intéresser

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 12 autres membres